فصل: 130- باب الرؤيا وَمَا يتعلق بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.130- باب الرؤيا وَمَا يتعلق بها:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الروم: 23].
يقول تعالى: ومن آياته الدالة على توحيده وقدرته منامكم بالليل والنهار، وذلك لما فيه من إذهاب الشعور والإِدرك حتى يصير النائم كالميت ثم يستيقظ منه فيعود له إدراكه وشعوره كما كان قبله، والرؤيا لا تكون إلا في النوم.
838- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبوَّةِ إِلا المُبَشِّرَاتِ». قالوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». رواه البخاري.
معناه: أن الوحي انقطع بموته صلى الله عليه وسلم فلم يبق منه إلا الرؤيا الصالحة، أي: الصادقة.
839- وعنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: «أصْدَقُكُمْ رُؤْيَا، أصْدَقُكُمْ حَدِيثًا».
قوله: «إذا اقترب الزمان»، أي: قربت القيامة. قال ابن أبي جمرة: أن المؤمن حينئذٍ يكون غريبًا فيقل أنيسة، فيكرم بالرؤيا الصادقة.
وقال السيوطي: لأن أكثر العلم ينقص حينئذٍ، وتَنْدّرِسَ معالم الديانة فيكون الناس على مثل الغرة محتاجين إلى مُذَكِّر ومُجَدِّد لما دَرَسَ من الدين كما كانت الأمم تُذَكَّرُ بالأنبياء.
840- وعنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَآنِي في المَنَامِ فَسَيَرَانِي في اليَقَظَةِ- أَوْ كَأنَّما رَآنِي في اليَقَظَةِ- لا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: بشارة لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا أنه يراه يوم القيامة.
وفيه: أن الشيطان لا يتمثل في صورته صلى الله عليه وسلم.
841- وعن أَبي سعيدٍ الخدرِيِّ رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا رَأى أحَدُكُمْ رُؤيَا يُحِبُّهَا، فَإنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا- وفي رواية: فَلا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا مَنْ يُحِبُّ- وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فإنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ؛ فَإنَّهَا لا تَضُرُّهُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: طلب الحمد عند حدوث النعم، وتجدد المنن فذلك سبب لدوامها.
وفيه: أنه لا يخبر بالرؤيا الحسنة إلا من يحب، لأن العدو ربما يحملها على بعض ما تحتمله، لأنها لأول عابر.
وفي رواية الترمذي: «ولا تحدث بها إلا لبيبًا، أو حبيبًا، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها، ولا يخبر بها أحدًا».
842- وعن أَبي قَتَادَة رضي الله عنه قال: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ- وفي رواية: الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ- مِنَ اللهِ، وَالحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَن شِمَالِهِ ثَلاَثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فإنَّهَا لا تَضُرُّهُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
«النَّفْثُ»: نَفْخٌ لَطِيفٌ لا رِيقَ مَعَهُ.
قال القاضي عياض: أمر بالنفث طردًا للشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة تحقيرًا له، واستقذارًا، وخص بها اليسار لأنها محل الأقذار.
843- وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأى أحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلاَثًا، وَلْيَتَحَوَّل عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ». رواه مسلم.
التحول: تفاؤل يتحول الحال من الرؤيا القبيحة إلى الرؤيا الحسنة.
وجاء من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصلِّ، ولا يحدث به الناس». متفق عليه.
844- وعن أَبي الأسقع واثِلةَ بن الأسقعِ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أعْظَمِ الفِرَى أنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيرِ أبِيهِ، أَوْ يُرِي عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ» رواه البخاري.
في هذا الحديث: أن هذه الخصال الثلاث من أعظم الكذب لأن المنتسب إلى غير أبيه يدَّعي أن الله خلقه من ماء فلان، والكذب في الرؤيا كذب على الله، لأنها جزء من النبوة، وعن ابن عباس مرفوعًا: «من تحلم بحلم لم يره كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل».
والكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كذب في الدين.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».

.كتَاب السَّلاَم:

.131- باب فضل السلام والأمر بإفشائه:

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهْلِهَا} [النور: 27].
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن لا يدخلوا بيوت غيرهم حتى يستأذنوا ويسلموا.
وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة: يستأذن على ذوات المحارم، ومثله، عن الحسن فإن كانوا في دار واحدة يتنحنح، ويتحرك أدنى حركة.
وقال تَعَالَى: {فَإذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61].
قال مجاهد: إذا دخلت المسجد فقل: السلام على رسول الله، وإذا دخلت على أهلك فسلِّم عليهم، وإذا دخلت بيتًا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قال قتادة: وحُدِّثنا أنَّ الملائكة ترد عليه.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}، قال: حسنة جميلة.
وقال تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
الرد واجب، والزيادة سُنَّة، فإذا قال مثلًا: السلام عليكم، قال: وعليكم السلام ورحمة الله.
وقال تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ الْمُكرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا} [الذاريات: 24، 25].
{هَلْ أَتَاكَ}، فيه: تعظيم لشأن الحديث، وتنبيه على أنه إنما عرفه بالوحي.
وقوله تعالى: {فَقَالُوا سَلامًا}، أي: نسلم عَلَيْكُمْ سلامًا. قال: {سَلامٌ}، أي: عليكم سلام.
845- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
إطعام الطعام من خير خصال الإِسلام لما فيه من دفع الحاجة عن الفقير، وجلب المحبة، والتآلف، وكذلك إفشاء السلام لما فيه من التآلف وجلب المحبة أيضًا والإِبعاد عن الكبر.
846- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولئِكَ- نَفَرٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلُوس- فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ؛ فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيتِكَ من بعدك. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فقالوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. في رواية: وعليك السلام ورحمة الله.
وفي الحديث: مشروعية الزيادة في الرد على الابتداء.
847- وعن أَبي عُمَارة البراءِ بن عازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعيفِ، وَعَوْنِ المَظْلُومِ، وَإفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإبْرَارِ المُقسِمِ. متفقٌ عَلَيْهِ، هَذَا لفظ إحدى روايات البخاري.
فيه: الأمر بإِفشاء السلام، أي: إشاعته وإظهاره.
848- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ». رواه مسلم.
إشاعة السلام وإذاعته سبب للتوادد ودخول الجنة.
849- وعن أَبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، أفْشُوا السَّلاَمَ، وَأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأرْحَامَ، وَصَلُّوا والنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَم». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
في هذا الحديث: إنَّ هذه الخصال من أسباب دخول الجنة. قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46].
850- وعن الطُّفَيْل بن أُبَيِّ بن كعبٍ: أنَّه كَانَ يأتي عبد الله بن عمر، فيغدو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ، قَالَ: فإذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ، لَمْ يَمُرَّ عَبدُ الله عَلَى سَقَّاطٍ وَلا صَاحِبِ بَيْعَةٍ، وَلا مِسْكِينٍ، وَلا أحَدٍ إِلا سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ الطُّفَيْلُ: فَجِئْتُ عبد الله بنَ عُمَرَ يَوْمًا، فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بالسُّوقِ، وَأنْتَ لا تَقِفُ عَلَى البَيْعِ، وَلا تَسْأَلُ عَنِ السِّلَعِ، وَلا تَسُومُ بِهَا، وَلا تَجْلِسُ في مَجَالِسِ السُّوقِ؟ وَأقُولُ: اجْلِسْ بِنَا هاهُنَا نَتَحَدَّث، فَقَالَ: يَا أَبَا بَطْنٍ- وَكَانَ الطفَيْلُ ذَا بَطْنٍ- إنَّمَا نَغْدُو مِنْ أجْلِ السَّلاَمِ، فنُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقيْنَاهُ. رواه مالك في المُوطَّأ بإسنادٍ صحيح.
في هذا الحديث: استحباب دخول السوق لأجل إفشاء السلام ونشره، وذكر الله تعالى لكون الأسواق محل الغفلة، وقد جاء في حديث: «ذاكر الله في الغافلين بمنزلة الصابر في الفارين».